فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



روي عن ابن عباس أنه قال: يطوي الله تعالى السموات السبع بما فيها من الخليقة والأرضين السبع بما فيها من الخليقة يطوي ذلك كله بيمينه أي بقدرته، حتى يكون ذلك بمنزلة خردلة، وروي عن ابن عباس أنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: «أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلًا أي: غير مختونين» {كما بدأنا أوّل خلق نعيده} أي: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلًا غير مختونين نعيدهم يوم القيامة؛ نظيره قوله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرّة} [الأنعام].
{وعدًا} وأكد ذلك بقوله تعالى: {علينا} وزاده بقوله تعالى: {إنّا كنّا} أي: أزلًا وأبدًا على حالة لا تحول {فاعلين} أي: شأننا أن نفعل ما نريد لا كلفة علينا في شيء من ذلك، ثم إنه تعالى حقق ذلك بقوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} قال سعيد بن جبير ومجاهد الزبور جميع كتب الله تعالى المنزلة والذكر أمّ الكتاب الذي عنده، ومعناه من بعدما كتب ذكره في اللوح المحفوظ، وقال ابن عباس والضحاك: الزبور والتوراة والذكر الكتب المنزلة من بعد التوراة، وقال الشعبي: الزبور كتاب داود الذكر التوراة، وقيل: الزبور كتاب داود عليه السلام، والذكر القرآن، وبعد بمعنى قبل كقوله تعالى: {وكان وراءهم ملك} [الكهف].
أي: أمامهم، وقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات].
أي: قبله، وقرأ حمزة بضم الزاي والباقون بفتحها {أن الأرض} أي: أرض الجنة {يرثها عبادي} وحقق ذلك ما أفادته إضافتهم إليه بقوله تعالى: {الصالحون} أي: المتحققون بأخلاق أهل الذكر، المقبلون على ربهم الموحدون له، المشفقون من الساعة، الراهبون من سطوته، الراغبون في رحمته، الخاشعون له، فهذا عام في كل صالح، وقال مجاهد: يعني أمّة محمد صلى الله عليه وسلم دليله قوله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء} [الزمر].
وقال ابن عباس: أراد أنّ أراضي الكفار يفتحها المسلمون، وهذا حكم من الله تعالى بإظهار الدين وإعزاز المسلمين، وقيل: أراد بالأرض الأرض المقدسة، وقيل: أراد جنس الأرض الشامل لبقاع أرض الدنيا كلها ولأرض المحشر والجنة وغير ذلك مما يعلمه الله تعالى، وجرى على هذا البقاعي في تفسيره، وقرأ حمزة بسكون الياء، والباقون بفتحها.
{إنّ في هذا} أي: القرآن كما قاله البغوي {لبلاغًا} أي: وصولًا إلى البغية، فإن من اتبع القرآن وعمل به وصل إلى ما يرجو من الثواب، وقيل: بلاغًا أي: كفاية يقال في هذا الشيء بلاغ وبلغة أي: كفاية، والقرآن زاد الجنة كبلاغ المسافر، وقال الرازي: هذا إشارة إلى المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة {لقوم عابدين} أي: عاملين به، وقال ابن عباس: عالمين، قال الرازي: والأولى أنهم الجامعون بين أمرين؛ لأن العلم كالشجرة، والعمل كالثمر والشجر بدون الثمر غير مفيد، والثمر بدون الشجر غير كائن، وقال كعب الأحبار هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم أهل الصلوات الخمس، وشهر رمضان، ولما كان هذا مشيرًا إلى إرشادهم فكان التقدير فما أرسلناك إلا لإسعادهم عطف عليه قوله تعالى: {وما أرسلناك} أي: على حالة من الأحوال {إلا} على حال كونك {رحمة للعالمين} كلهم أهل السموات وأهل الأرض من الجنّ والإنس وغيرهم طائعهم بالثواب وعاصيهم بتأخير العقاب الذي كنا نستأصل الأمم به، فنحن نمهلهم ونترفق بهم إظهارًا لشرفك، وإعلاء لقدرك، ثم نردّ كثيرًا منهم إلى دينك ونجعلهم من أكابر أنصارك وأعاظم أعوانك بعد طول ارتكابهم الضلال، ارتباكهم في إشراك المحال، ومن أعظم ما يظهر فيه هذا الشرف في عموم الرحمة وقت الشفاعة العظمى يوم يجمع الله تعالى الأولين والآخرين، وتقوم الملائكة صفوفًا والثقلان وسطهم، ويموج بعضهم في بعض من شدّة ما هم فيه يطلبون من يشفع لهم فيقصدون أكابر الأنبياء نبيًّا نبيًّا عليهم الصلاة والسلام، فيحيل بعضهم على بعض وكل منهم يقول: لست لها حتى يأتوه صلى الله عليه وسلم فيقول: «أنا لها»، ويقوم معه لواء الحمد، فيشفعه الله تعالى، وهو المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين، ولما أورد تعالى على الكفار الحجج في أن لا إله سواه وبيّن أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين أتبع ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {قل إنما يوحي إلى أنما إلهكم إله واحد} أي: ما يوحى إلى في أمر الإله إلا وحدانيته وما إلهكم إلا إله واحد لم يوح إلى فيما تدّعون من الشركة غير ذلك فالأول من قصر الصفة على الموصوف، والثاني: من قصر الموصوف على الصفة والمخاطب بهما من يعتقد الشركة فهو قصر قلب، وقال الزمخشري: إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك: إنما زيد قائم، وإنما يقوم زيد، وقد اجتمع المثالان في هذه الآية؛ لأن إنما يوحي إلى مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد وإنما إلهكم إله واحد بمنزلة إنما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أنّ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصور على استئثار الله تعالى بالوحدانية انتهى. ولما كان الوحي الوارد على هذه السنن موجبًا أن يخلصوا التوحيد لله تعالى قال صلى الله عليه وسلم {فهل أنتم مسلمون} أي: منقادون لما يوحى إلى من وحدانية الإله، والاستفهام بمعنى الأمر أي: أسلموا.
{فإن تولوا} أي: لم يقبلوا ما دعوتهم إليه {فقل} أي: لهم {آذنتكم} أي: أعلمتكم بالحرب كرجل بينه وبين أعدائه هدنة فأحس منهم بغدرة، فنبذ إليهم العهد وأشهر النبذ وأشاعه وآذنهم جميعًا بذلك، وقوله: {على سواء} حال من الفاعل والمفعول أي: مستوين في الإعلام به لم أطوه عن أحد منكم ولا أستبدّ به دونكم لتتأهبوا {وإن} أي: وما {أدري أقريب} جدًّا بحيث يكون قربه على ما يتعارفونه {أم بعيد ما توعدون} من غلب المسلمين عليكم أو عذاب الله أو القيامة المشتملة عليه، وإنّ ذلك كائن لا محالة ولابد أن يلحقكم بذلك الذلة والصغار، وإن كنت لا أدري متى يكون ذلك؛ لأنّ الله تعالى لم يعلمني علمه، ولم يطلعني عليه، وإنما يعلمه الله تعالى {إنه} تعالى: {يعلم الجهر من القول} أي: مما يجهرون به من العظائم وغير ذلك، ونبه تعالى على ذلك فإنّ من أحوال الجهر أن ترتفع الأصوات جدًّا بحيث تختلط ولا يميز بينها ولا يعرف كثير من حاضريها ما قاله أكثر القائلين، فأعلم سبحانه وتعالى أنه لا يشغله صوت عن آخر، ولا يفوته شيء من ذلك ولو كثر {ويعلم ما تكتمون} مما تضمرونه في صدوركم من الأحقاد للمسلمين، ونظير ذلك قوله تعالى في أول السورة: {قل ربي يعلم القول في السماء والأرض} [الأنبياء].
ومن لازم ذلك من المجازاة عليه بما يحق لكم من تعجيل وتأجيل فستعلمون كيف تخيب ظنونكم ويتحقق ما أقول فتنطقون حينئذٍ بأني صادق ولست بساحر ولا شاعر ولا كاهن، فهو من أبلغ التهديد، فإنه لا أبلغ من التهديد بالعلم، ولما كان الإمهال قد يكون نعمة وقد يكون نقمة قال: {وإن} أي: وما {أدري} أن يكون تأخير عذابكم نعمة لكم كما تظنون أم لا {لعله} أي: تأخير العذاب {فتنة} أي: اختبار {لكم} ليظهر ما يعلمه منكم من السر لغيره لأنّ حالكم حال من يتوقع منه ذلك {ومتاع} لكم تتمتعون به {إلى حين} أي: بلوغ مدّة آجالكم التي ضربها لكم في الأزل، ثم يأخذكم بغتة وأنتم لا تشعرون، ولما كان لله أن يفعل ما يشاء من عدل وفضل، وكان من العدل جواز تعذيب الله تعالى الطائع وتنعيم المؤمن العاصي، وكان صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغاية في البيان لهم، وهم قد بلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه أمر الله تعالى أن يفوّض الأمر إليه تسلية له بقوله تعالى: {قل رب} أيها المحسن إلى {احكم} أي: أنجز الحكم بيني وبين قومي {بالحق} أي: بالأمر الذي يحق لكل منا من نصر وخذلان، وقرأ حفص بفتح القاف وألف بعدها، وفتح اللام بصيغة الماضي على حكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم والباقون بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر فإن قيل: كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {احكم بالحق} والله تعالى لا يحكم إلا بالحق؟
أجيب: بأن الحق هاهنا بمعنى العذاب، فكأنه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر، نظيره قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف]، وقال أهل المعاني: معناه رب احكم بحكمك الحق فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه، والله تعالى يحكم بالحق طلب أم لم يطلب، ومعنى الطلب ظهور الرغبة من الطالب في حكمه الحق {وربنا} أي: المحسن إلينا أجمعين {الرحمن} أي: العام الرحمة لنا ولكم بإدرارها علينا، ولولا عموم رحمته لأهلَكِنا أجمعين، وإن كنا نحن أطعناه لأنّا لا نقدره حقّ قدره، {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} [فاطر]، {المستعان} أي: المطلوب منه العون {على ما تصفون} من كذبكم على الله تعالى في قولكم: اتخذ الله ولدًا، وعليّ في قولكم ساحر، وعلى القرآن في قولكم شعر قال الرازي: روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في حروبه، ولم يذكر له سندًا، وأما ما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ اقترب حاسبه الله حسابًا يسيرًا، وصافحه وسلم عليه كل نبيّ ذكر اسمه في القرآن»، فحديث موضوع والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}.
بيّن سبحانه حال معبودهم يوم القيامة فقال: {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} وهذا خطاب منه سبحانه لأهل مكة، والمراد بقوله: {وما تعبدون}: الأصنام التي كانوا يعبدون.
قرأ الجمهور: {حصب} بالصاد المهملة، أي وقود جهنم وحطبها، وكل ما أوقدت به النار أو هيجتها به فهو حصب، كذا قال الجوهري.
قال أبو عبيدة: كل ما قذفته في النار فقد حصبتها به، ومثل ذلك قوله تعالى: {فاتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة} [البقرة: 24].
وقرأ على بن أبي طالب وعائشة: {حطب جهنم} بالطاء، وقرأ ابن عباس: {حضب} بالضاد المعجمة.
قال الفراء: ذكر لنا أن الحضب في لغة أهل اليمن: الحطب، ووجه إلقاء الأصنام في النار مع كونها جمادات لا تعقل ذلك ولا تحسّ به: التبكيت لمن عبدها وزيادة التوبيخ لهم وتضاعف الحسرة عليهم.
وقيل: إنها تحمى فتلصق بهم زيادة في تعذيبهم، وجملة: {أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} إما مستأنفة أو بدل من {حصب جهنم} والخطاب لهم ولما يعبدون تغليبًا، واللام في {لها} للتقوية لضعف عمل اسم الفاعل.
وقيل: هي بمعنى على، والمراد بالورود هنا: الدخول.
قال كثير من أهل العلم: ولا يدخل في هذه الآية عيسى وعزير والملائكة، لأن {ما} لمن لا يعقل، ولو أراد العموم لقال: ومن يعبدون.
قال الزجاج: ولأن المخاطبين بهذه الآية مشركو مكة دون غيرهم.
{لَوْ كَانَ هَؤُلاء ءَالِهَةً مَا وَرَدُوهَا} أي لو كانت هذه الأصنام آلهة كما تزعمون، ما وردوها أي: ما ورد العابدون هم والمعبودون النار، وقيل: ما ورد العابدون فقط، لَكِنهم وردوها فلم يكونوا آلهة، وفي هذا تبكيت لعباد الأصنام وتوبيخ شديد {وَكُلٌّ فِيهَا خالدون} أي: كلّ العابدين والمعبودين في النار خالدون لا يخرجون منها {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} أي لهؤلاء الذين وردوا النار، والزفير صوت نفس المغموم، والمراد هنا: الأنين والتنفس الشديد، وقد تقدّم بيان هذا في هود.
{وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ} أي لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدّة الهول.
وقيل: لا يسمعون شيئًا، لأنهم يحشرون صمًا كما قال سبحانه: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} [الإسراء: 97].
وإنما سلبوا السماع، لأن فيه بعض تروّح وتأنس، وقيل: لا يسمعون ما يسرهم، بل يسمعون ما يسوؤهم.
ثم لما بيّن سبحانه حال هؤلاء الأشقياء شرع في بيان حال السعداء فقال: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} أي الخصلة الحسنى التي هي أحسن الخصال وهي السعادة.
وقيل: التوفيق، أو التبشير بالجنة، أو نفس الجنة.
{أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} إشارة إلى الموصوفين بتلك الصفة {عَنْهَا} أي عن جهنم {مُبْعَدُونَ} لأنهم قد صاروا في الجنة.
{لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} الحسّ والحسيس: الصوت تسمعه من الشيء يمرّ قريبًا منك.
والمعنى: لا يسمعون حركة النار وحركة أهلها، وهذه الجملة بدل من {مبعدون} أو حال من ضميره {وَهُمْ فِيمَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون} أي دائمون، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذّ به الأعين كما قال سبحانه: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 31].
{لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} قرأ أبو جعفر وابن محيصن: {لا يحزنهم} بضم الياء وكسر الزاي، وقرأ الباقون {لا يحزنهم} بفتح الياء وضم الزاي.
قال اليزيدي: حزنه لغة قريش، وأحزنه لغة تميم.
والفزع الأكبر: أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب {وتتلقاهم الملئكة} أي تستقبلهم على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم: {هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} أي توعدون به في الدنيا وتبشرون بما فيه، هكذا قال جماعة من المفسرين إن المراد بقوله: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} إلى هنا هم كافة الموصوفين بالإيمان والعمل الصالح، لا المسيح وعزير والملائكة، وقال أكثر المفسرين: إنه لما نزل {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ} الآية «أتى ابن الزبعري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ألست تزعم أن عزيرًا رجل صالح، وأن عيسى رجل صالح، وأن مريم امرأة صالحة؟ قال: بلى، فقال: فإن الملائكة وعيسى وعزيرًا ومريم يعبدون من دون الله، فهؤلاء في النار، فأنزل الله: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى}» وسيأتي بيان من أخرج هذا قريبًا إن شاء الله.
{يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيّ السجل للكتب} قرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج والزهري: {تطوي} بمثناة فوقية مضمومة ورفع السماء، وقرأ مجاهد: {يطوي} بالتحتية المفتوحة مبنيًا للفاعل على معنى يطوي الله السماء، وقرأ الباقون {نطوي} بنون العظمة وانتصاب {يوم} بقوله: {نُّعِيدُهُ} أي نعيده يوم نطوي السماء، وقيل: هو بدل من الضمير المحذوف في توعدون، والتقدير: الذي كنتم توعدونه يوم نطوي.
وقيل: بقوله: {لا يحزنهم الفزع} وقيل: بقوله: {تتلقاهم}.
وقيل: متعلق بمحذوف، وهو اذكر، وهذا أظهر وأوضح، والطيّ ضد النشر.
وقيل: المحو، والمراد بالسماء: الجنس، والسجل: الصحيفة، أي طيًا كطيّ الطومار.
وقيل: السجل: الصك، وهو مشتق من المساجلة وهي المكاتبة، وأصلها من السجل، وهو الدلو، يقال: ساجلت الرجل: إذا نزعت دلوًا ونزع دلوًا، ثم استعيرت للمكاتبة والمراجعة في الكلام، ومنه قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب:
من يساجلني يساجل ماجدًّا ** يملأ الدلو إلى عقد الكرب

وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير: {السجل} بضم السين والجيم وتشديد اللام، وقرأ الأعمش وطلحة بفتح السين وإسكان الجيم وتخفيف اللام، والطيّ في هذه الآية يحتمل معنيين أحدهما: الطيّ الذي هو ضدّ النشر، ومنه قوله: {والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67].